تراكم النفايات.. اليمن يتنفس روائح كريهة

تراكم النفايات.. اليمن يتنفس روائح كريهة
تراكم النفايات في اليمن

بات اليمن يتنفس روائح كريهة، جراء انتشار تلال من النفايات، في العاصمة صنعاء وعدة مدن، وسط تعثر حكومي في مواجهة الأزمة.

وبدأت أزمة تراكم النفايات في اليمن، مع بدء الصراع المسلح قبل نحو 7 سنوات، إذ تعرضت البنية التحتية ومعدات النظافة لتدمير شبه كامل، جعل البلديات عاجزة عن مواجهة الأزمة.

بدوره، قال صالح عبيدي، معلم في إحدى مدارس العاصمة صنعاء، إن "تلال القمامة أصبحت تحاصر اليمنيين من كل اتجاه، ورائحتها الكريهة باتت تخنق البشر والحجر". 

وأضاف عبيدي لـ"جسور بوست"، أن "الحكومة عاجزة تمامًا عن التعامل مع الأزمة، بسبب الخراب الذي خلفته الحرب، لكن صحة المواطنين أصبحت مهددة بالخطر، فالأمراض الجلدية تطول الجميع بسبب النفايات".

وأوضح أن "الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تحاول بناء مصانع لاستغلال تلك النفايات في توليد الطاقة أو إعادة تدويرها، لكن التحركات الحكومية والدولية بطيئة".

ومضى قائلا: "سنموت بين تلال النفايات، قبل أن نرى بلادنا نظيفة مرة أخرى (..) في ذروة انتشار الكوليرا كنت أسير وسط تلال النفايات المجاورة لبيتي وأنا مقتنع أنها سبب رئيسي في انتشار العدوى". 

ويعيش عبيدي (42 عاما) مع أسرته المكونة من 4 أفراد جنوبي العاصمة صنعاء، المسيطر عليها من قبل ميليشيا الحوثي الإرهابية والمدعومة من إيران منذ سبتمبر 2014. 

وبحسب منظمة الصحة العالمية، تعرض اليمن لموجتين من تفشي وباء الكوليرا، أولهما في أكتوبر 2016 حتى نهاية إبريل 2017، بإجمالي إصابات بلغت 25 ألف مواطن، توفي منهم 129 شخصا.

وانتشرت الموجة الثانية في منتصف عام 2017 حتى الآن، رغم انخفاض حدتها في العامين الآخرين، وأسفرت عن إصابة أكثر من مليون ونصف المليون، توفي منهم أكثر من 2000 مواطن. 

وحتى الآن لم تصدر إحصاءات رسمية بشأن وضع الوباء في البلاد، إلا أن وزارة الصحة بالتعاون مع منظمة "يونيسف" أطلقت مطلع مايو الجاري حملة تطعيمات ضد الكوليرا في محافظة تعز (جنوب غرب). 

أزمة مركبة

وتقول منصة "حلم أخضر" المهتمة بشؤون البيئة في اليمن، إن الأزمة السياسية والصراع المسلح، أثرت بشكل بالغ على النفايات، إذ أدت إلى تراجع الجهات المانحة وإغلاق الطرق، وصعوبة الوصول إلى الأحياء السكنية، وتدمير البنى التحتية ومعدات النظافة، وتحفيض الميزانيات المخصصة للتخلص من القمامة.

وأشارت المنصة أيضا إلى أن النزاع المسلح أدى لنزوح جماعي للسكان، بلغ نحو مليون ونصف المليون شخص، فروا إلى العاصمة والمدن الكبرى، ما أدى لانتشار القمامة بشكل أكبر. 

وتعد الأزمة في صنعاء أكبر حجما من المدن اليمنية الأخرى، إذ تستحوذ وحدها على نحو 13% من إجمالي النفايات في اليمن، إذ يتم تجميع مئات الأطنان من النفايات الصلبة والطبية، والتخلص منها خارج العاصمة في المدينة، حيث مكبات ينتشر حولها أراض زراعية. 

وأوضحت المنصة ذاتها أن 20% من هذه النفايات يمثل خطرًا كبيرًا على البيئة وصحة السكان، ما يساهم في انتشار الأمراض المعدية، مثل "حمى الضنك الوخيمة"، و"الملاريا" و"داء الليشمانيات الجلدي"، وهو أشد الأمراض الجلدية خطورة. 

ويؤدي حرق النفايات إلى الإصابة بالتهابات حادة في الجهاز التنفسي، ويمكن للمواد السامة المنبعثة في الهواء بسبب احتراق البلاستيك والمواد المركبة والنفايات الطبية أن تسبب أمراضًا سرطانية على المدى الطويل.

وقالت المنصة إنه تم اختيار مواقع المكبات الرسمية للنفايات الصلبة في اليمن منذ نحو 40 عامًا، بعيدًا عن التجمعات السكانية، لكن مع الزيادة السكانية والتوسع العمراني في العقدين الآخرين، صارت هذه المكبات بالقرب من التجمعات السكنية. 

جهود بطيئة

بدوره، قال الباحث اليمني في شؤون البيئة إبراهيم جعفر، لـ"جسور بوست"، إن مشكلة النفايات ستظل مستعصية طالما أن اليمن يعيش نزاعا مسلحا مستمرا، لأن هذا النزاع يقوض أي جهود للتعامل مع الأزمة. 

وأضاف جعفر أن الجهود الحكومية التي تبذل بدعم من الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة، تعاني من عدة مشكلات أساسية، أبرزها نقص المعدات والأيدي العاملة وزيادة النزوح من الريف إلى المدن الكبرى، إضافة إلى ما خلفته الحرب من دمار في المباني والبنى التحتية. 

وأوضح أن 80% من معدات النظافة تعرضت للتدمير في غارات جوية قبل سنوات باليمن، وما تبقى منها يعتبر متهالكا إلى حد أن العاصمة صنعاء بأكملها لا تملك سوى 60 معدة وفرتها الأمم المتحدة قبل عامين. 

وأشار جعفر إلى أن ما فرضته ظروف الحرب على اليمن من قتل وقصف وتهجير ونزوح، أسفر عن نقص حاد في الأيدي العاملة في إدارات النظافة بعموم البلاد.

وقال، إن ما خلفته الحرب من هدم مبانٍ وتدمير بنى تحتية ساهم في صعوبة جمع القمامة والتخلص منها، مضيفا: "المشهد باختصار يتخلص في أننا لدينا قمامة في كل مكان، ولا نملك معدات ولا عمالا ولا أموالا للتخلص منها".

وأكد جعفر أن مبادرات الأمم المتحدة جيدة ومهمة لكنها تحتاج إلى وقت طويل لتحقيق النتائج المرجوة، قائلا: "تلال القمامة تعلو يومًا بعد الآخر، وتحتاج إلى تحركات عاجلة ودعم مادي كبير". 

وفي سبتمبر الماضي، أطلق البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، أول مشروع لتحويل النفايات إلى طاقة في اليمن، كما أعلن عن تشغيل أول محطة للمشروع في محافظة لحج الجنوبية بتمويل من الاتحاد الأوروبي.

ونقل موقع الأمم المتحدة عن مستشار الطاقة المتجددة بالمكتب الإنمائي في اليمن، محمد سلام، قوله إن "مبادرة تحويل النفايات إلى طاقة، جزء من مشروع لدعم سبل العيش والأمن الغذائي في اليمن".

وأضاف سلام أن المبادرة تركز على مشكلتين رئيسيتين، الأولى هي مشكلة الطاقة، والثانية المخلفات الصلبة، موضحا أن قدرة الدولة على معالجة أزمة المخلفات كانت منخفضة قبل الصراع، وزادت المشكلة بقوة بعد اندلاعه. 

ومنذ أكثر من 7 سنوات يشهد اليمن حربا مستمرة بين القوات الموالية للحكومة الشرعية، مدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده الجارة السعودية، والحوثيين المدعومين من إيران والمسيطرين على محافظات، بينها العاصمة صنعاء منذ سبتمبر 2014. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية